الشيخ مال الله: الخطابة فن الربط والقدرة على الجذب |
جريدة الوسط - 2006/02/06 - [عدد القراء : 631] |
الوسط - محمد المخلوق الشيخ أحمد مال الله من الخطباء المعروفين، الذين يحرص كثير من المعزين على حضور مجالسهم في عشرة محرم تحديداً، ليتذوقوا معهم طعم التفاعل مع مصيبة كربلاء. اشتهر بإجادته انشاد الشعر بالطريقة المعروفة لدى جمهور البحرينيين، وهي الطريقة التي لا يرضون عنها بديلاً، وإلا فإنهم يشعرون بشيء من النقص. وهنا تحاوره «الوسط» عن فن الخطابة وبداياته معها طالباً في النجف إلى ارتقائه المنبر. سماحة الشيخ، هل كنت جديداً على هذا الفن؟ لا، فأنا منذ كان عمري دون العاشرة كنت أجمع الأطفال معي، لنعقد ما نسمّيه مأتماً بأسلوبنا وبساطتنا، وكان ذلك في الأربعينات. وبعد انفصالي عن عملي في وزارة الأشغال 1957 انتظمت في سلك الخطابة الحسينية. وكيف كان مشوارك مع عالم الخطابة؟ بدأت دخول عالم الخطابة كغيري بـ «التتلمذ» على يدي أستاذي الملا جواد حميدان لمدة عام إلى العام ،1958 ثم انفصلت عنه لبعض الظروف لأشرع في قراءة أول مجلس بشكل مستقل في الستينات، وكان أول مجلس قرأته بفريق الحاكة في رأس الرمان، ولم أكن أشعر حينها بالتهيّب، بل كنت منذ صغري امتلك جرأة على ارتقاء المنبر، وقد ورثت حب الخطابة لثلاثة من أبنائي والحمد لله. ماذا عن سفرك إلى العراق، وهل تتلمذت على يدي أحد في الخطابة هناك؟ بعد مجيء السيد علوي الغريفي من النجف التحقت به للدراسة الحوزوية، وبقيت معه حتى العام 1964 حينها عزمت على التوجّه إلى النجف. وكنت آنذاك أقرأ مستقلاً، وكانت استفادتي في النجف محصورة في الدراسات الحوزوية، إذ حضرت البحث الخارج. وبسبب وضع النجف المضطرب مع بدايات الحركة البعثية ومضايقتها للحوزة عدت إلى البحرين وامتهنت الخطابة بشكل خاص. ما هي الخطابة، وما الذي تستلزمه؟ الخطابة فن يختلف كلية عن غيره من الفنون، فهي تعتمد على حفظ الأدبيات والقصص والفكاهيات والمعلومات والمواعظ وذكرى المصيبة، ودور الخطيب يأتي في فن الربط بينها، وانتخاب الأسلوب الأمثل للموقف سواء أكان تهديداً أم ترغيباً. القضية قضية تأثير وجذب للمستمعين، وواجب الخطيب ألا يحفظ النصوص ليسردها فقط، بل عليه أن يفهمها ليتوسع فيها ويوجهها ويحلّلها، كما لابد له من صوت يمكّنه من التأثير. ولو سألناك: من برأيك عميد المنبر الحسيني في البحرين؟ (أجاب بدبلوماسية ظاهرة) واقعاً، كل خطيب له عرفياته الخطابية، وطرحه وأسلوبه الخاص، وهناك كثير من الخطباء المشهورين من أبناء جيلي كالشيخ حسن الباقري والشيخ عبدالمحسن ملا عطية، وهناك متميزون بين الشباب أيضاً. تكرار الأبيات ظاهرة شائعة، لفت إليها البعض... فهل عقمت قرائح الشعراء إلاّ من هذه الأبيات، ألا يمكن للخطيب قراءة الأبيات التي لا يعرفها في ورقة كما يفعل الرادود؟ أولاً، بالورقة لا يمكن أن يصبح خطيباً، وثانياً ما يفوتكم هو أن الخطيب يريد من الجمهور التجاوب معه والتفاعل الإيجابي، لماذا ننصح الخطيب المبتدئ بالعودة إلى رياض المدح والرثاء؟ لأن قصائده مألوفة، ويتجاوب معها الجمهور وهو المهم. وثالثاً نحن نريد البكاء على الحسين (ع) مهما تكن الأبيات. أتعلم أن كتاب الجمرات حُفظ قبل طبعه؟، والناس أحفظ لجزئه الأول فالثاني فالثالث، فيما لا يعلمون عن قصائد الجزء الرابع إلا القليل جداً، فلا يتفاعلون مع قصائده... وأمر آخر يعود إلى الخطيب، فالأبيات هي نفسها، لماذا يؤثر فيك خطيب دون آخر؟ إنه فن الخطيب في الاجتذاب واستدرار الدموع، كما أعتقد أن هناك جنبة متصلة بالتوفيق الإلهي لبعض القصائد. وهل تفضّل الإنشاد بالشعر الفصيح أم العامي (النبطي)؟ أنا أفضّل الشعر العامي، وكذلك جمهوري يتفاعل أكثر مع هذا النوع من الشعر، وتجده يردد معي ويتجاوب. وقد سألت الملا عطية عن سرّ طبع ديوان الجمرات الودية دون شعره بالفصيح، فقال: إن الناس تكرّر مع الخطيب الشعر العامي وتتفاعل معه بخلاف الشعر الفصيح. (من خلال مسيرتك الطويلة، هل وجدت فرقاً بين الجمهورين قديماً وحديثاً، ولاسيما ما لاحظته من اقتصار الخطيب في الفترة الأخيرة على أبيات مقتطفة بالفصيح والنبطي) من دون الاسترسال في الأبيات مع جودتها؟ في الثلاثينات وإلى الستينات كان الخطيب يقرأ أحياناً القصائد كلها، ثم يقرأ الأبيات العامية، ليقرأ بعدها خطبة نصاً، أو يذكر أحاديث مسترسلة، ولم يكن له حق النقد أو التحليل، وأخيراً يختم بشاهد لينتهي إلى المصيبة. أما بعد مجيء الخطباء العراقيين فقد اختلف مزاج القراءة، فقلّ القصيد لصالح الموضوع، ولم يعودوا يقرأون اللحن المساعد المسمّى بـ «العربي» إلا قليلاً، وهو ما هبط بمستوى الجمهور على مستوى القصيد على رغم حسن أصوات العراقيين وإبداعاتهم. كونك خطيباً، أين تجد العاطفة في عشرة المحرم؟ أصل قضية إحياء عشرة المحرم هو البكاء، إذ إن قصة المأتم ومنذ يوم الطف بُنيت على البكاء. ولذلك قلت لك: نحن نريد البكاء مهما تكن الأبيات مكررة، المهم فيض المشاعر. أتجد في استقدام خطباء عراقيين إلى البحرين غضاضةً؟ من أنعش المنبر في البحرين فترة السبعينات، هم العراقيون، فألسنتهم جذابة ومؤثرة، ولاسيما إذا تمتع الخطيب بقدرة جذب وتمكن من المادة العلمية، حينها أجد أن هذا الأمر ينعش قضية عاشوراء، فالامتزاج أمر إيجابي وحضاري. ولذلك كان الملا جواد يمتنع عن القراءة شهر ذي الحجة، ويكتري خطباء عراقيين للقراءة عنه. هل لك أن تحدّثنا عن الأطوار؟ أولاً، تسمية «أطوار» خطأ، بل هي ألحان، إذ الأطوار قرآنياً هي المراحل والحالات. وهناك كثير من الألحان اندثرت بموت أصحابها، إذ للناس دور كبير في بقاء لحن دون آخر، والخطيب البارع بإمكانه أن يمتلك شعور المستمع وإحساسه بأي لحن، ودعني أصارحك بأن الخطيب إذا كان محبوباً فإن الجمهور يتفاعل معه بأي لحن قرأ. ما الكلمة الأخيرة التي توجهها إلى الخطباء؟ أنصح الخطباء بالتركيز على الإبكاء، لأن البكاء هو الذي أبقى شعلة الإسلام مضيئة، وحفظ هذا الدين وأهداف الحسين من التحريف ، لذلك أدعوهم إلى التوسّع في ذكر المصيبة. |
الشيخ مال الله: الخطابة فن الربط والقدرة على الجذب
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)