بأي لغة تحدث الكاظم (ع) مع الحاكم الظالم؟
المتصفح لحياة الإمام الكاظم يقف على حقيقة مهمة وهي أنه (ع) كان رجل السياسة المحنكة، والسياسة المحنكة هي السياسة العاقلة والحكيمة.
وفي المقابل هناك سياسةٌ تقوم على الخداع والدجل والغدر وهي سياسة الطواغيت أمثال معاوية ابن أبي سفيان كما قال أمير المؤمنين(ع) في معاوية(لعنه الله): (والله ما معاوية بأدهى منِّي ، ولكنه يغدر ويفجر ، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس) وقد كانت سياسة الإمام الكاظم قائمةً على أساسٍ من العقلانية بحيث أنه (ع) كان يخاطب الحاكم الظالم بثلاث لغات:
وفي المقابل هناك سياسةٌ تقوم على الخداع والدجل والغدر وهي سياسة الطواغيت أمثال معاوية ابن أبي سفيان كما قال أمير المؤمنين(ع) في معاوية(لعنه الله): (والله ما معاوية بأدهى منِّي ، ولكنه يغدر ويفجر ، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس) وقد كانت سياسة الإمام الكاظم قائمةً على أساسٍ من العقلانية بحيث أنه (ع) كان يخاطب الحاكم الظالم بثلاث لغات:
الأولى: لغة المواجهة العلنية.الثانية: لغة المقاطة.الثالثة: لغة المهادنة والمواصلة.فالسياسي المحنك هو الذي يحاول قدر الإمكان أن يوجد له أكثر من خيار لمخاطبة الحاكم الظالم.
لغة المصارحة:أما اللغة الأولى فهي لغة المصارحة: فقد اعتمد الإمام (ع) فيها على المواجهة الصريحة لمدعيات طاغية زمانه هارون الرشيد .
ومما ينقل أن هارون الرشيد وهو في المسجد النبوي الشريف أمام مرقد النبي (ص) وبمحظر حشدٍ كبير من الأشراف وقادة الجيش وكبار الموظفين.
أقبل هارون بوجهه على الضريح المقدَّس وسلَّم بقوله: "السلام عليك يابن العم" معتزاً ومفتخراً على غيره بصلته من النبي(ص) وأنَّه إنما نال الخلافة لقربه من رسول الله (ص)، وكان الإمام آنذاك حاضراً فسلَّم على النبي(ص) قائلاً: (السلام عليك يا أبت)، ففقد الرشيد صوابه واستولت عليه موجات من الاستياء، حيث قد سبقه الإمام إلى ذلك المجد والفخر، فقال له بنبرات تقطر غضباً وحقدا.
أتزعمون يا أبناء علي أنكم أبناء رسول الله ؟
فأجابه (ع) بردّ مفحم قائلاً: (لو بُعث رسول الله (ص) حياً وخطب منك كريمتك هل كنت تجيبه إلى ذلك؟) فقال هارون: سبحان الله!! وكنت أفتخر بذلك على العرب والعجم. فانبرى الإمام (ع) قائلاً: (لكنه لا يخطب منّي ولا أزوّجه لأنه والدنا لا والدكم فلذلك نحن أقرب إليه منكم).
وكان هارون يهدف من خلال ملابسات زيارته للرسول أن يوجه رسالة للناس وبمحضر الإمام الكاظم(ع) ان الخلافة لم تخرج من النبي إلا إلى أبناء عمه ، والعباسيون لم يغتصبوا الخلافة .
وكان الإمام الكاظم له بالمرصاد لفضح نواياه الخبيثة.
وهذه لغة المصارحة التي اعتمد الإمام عليها في المواقف التي تفتقر إلى دفع اللبس سواء في المجال السياسي أوالعقائدي.
لغة المقاطعة:
أما اللغة الثانية: التي استخدمها الإمام الكاظم(ع) في مواجهة النظام الحاكم لغة المقاطعة . إلا أن الإمام لم يستخدم أسلوب المقاطعة كقاعدة عامة تجعله في عزلة عن النظام الحاكم بشكل مطلق .بل إنه كان يؤكد على بعض التجار يقاطعون النظام .
ولعل الإمام كان يهدف من أن يكون هناك تكتل مالي عند التجار مستقلا عن هارون الرشيد ، وبذلك ينشأ عند التجار كيان اقتصادي مستقل ضد هارون الرشيد، فلا يكون التاجر تحت رحمة هارون.
والبحث عن وسائل تجارية أخرى لاتربط مصير التجار بهارون الرشيد.
وإليك هذا الحوار بين تاجر شيعي من المخلصين ومن رواة الحديث الموثوقين بحسب رواية الكشي، وهو صفوان الجمال.
يقول صفوان: دخلت عليه(ع) . فقال لي: (يا صفوان! كل شيء منك حسن جميل ، خلا شيئا واحدا).
قلت: جعلت فداك ! أي شيء؟
قال: (أكراك جمالك من هذا الرجل) " يعني هارون " .
قلت: والله ما أكريته أشرا ولا بطرا، ولا للصيد، ولا للهو، ولكن أكريته لهذا الطريق" يعني طريق مكة " ولا أتولاه بنفسي، ولكن أبعث معه غلماني.
قال: (يا صفوان! أيقع كراك عليهم؟)قلت: نعم جعلت فداك.
قال: (أتحب بقاهم حتى يخرج كراك؟) قلت: نعم .
قال: (فمن أحب بقاهم فهو منهم، ومن كان منهم فهو كان ورد النار).قال صفوان: فذهبت وبعت جمالي عن آخرها.
لغة المهادنة والتواصل:اللغة الثالثة: وهي لغة المهادنة والتواصل مع الحاكم وذلك عن طريق المأمونين من أمثال علي ابن يقطين (رحمه الله)
هذا الرجل كان الوزير الأول لهارون الرشيد.
هذا الرجل كان الوزير الأول لهارون الرشيد.
استأذن عليُّ بن يقطين الامامَ الكاظم (عليه السّلام في ترك عمل السلطان فلم يأذن له ـ وكان ممّا قال له (عليه السّلام):
(يا عليّ، كفّارة أعمالكم الإحسان إلى إخوانكم. اضمن لي واحدة وأضمن لك ثلاثاً: اضمن لي أن لا تلقى أحداً من أوليائنا إلاّ قضيتَ حاجته وأكرمته، وأضمن لك أن لا يظلّك سقف سجن أبداً، ولا ينالك حدّ سيفٍ أبداً، ولا يدخل الفقر بيتك أبداً. يا عليّ، من سرّ مؤمناً فبالله بدأ، وبالنبيّ (صلى الله عليه وآله) ثنّى، وبنا ثلّث).
(يا عليّ، كفّارة أعمالكم الإحسان إلى إخوانكم. اضمن لي واحدة وأضمن لك ثلاثاً: اضمن لي أن لا تلقى أحداً من أوليائنا إلاّ قضيتَ حاجته وأكرمته، وأضمن لك أن لا يظلّك سقف سجن أبداً، ولا ينالك حدّ سيفٍ أبداً، ولا يدخل الفقر بيتك أبداً. يا عليّ، من سرّ مؤمناً فبالله بدأ، وبالنبيّ (صلى الله عليه وآله) ثنّى، وبنا ثلّث).
وبهذه اللغات الثلاث تتعدد الوسائل والخيارات عند الإمام الكاظم لمواجهة النظام الظالم ، مما جعل هارون(لعنه الله) يعيش حالةً من العجز في مواجهة سياسة الإمام وذلك ما ألجأه لزج الإمام في مطامير السجون وتلك هي حرفة العاجزين عن مواجهة الحقائق.
فعلى السائرين على خط الإمام الإقتداء بالإمام لأجل بناء وعي سياسي محنك، وأن لا يحصروا أنفسهم في خيار وحد فذلك تقزيم للوعي السياسي.
ومما يربّي الروح السياسية الواعية عند الإنسان لمواجهة واقع الظلم هذا المقطع من دعاء مولانا الإمام زين العابدين(ع): (واجعل لي يدا على من ظلمني ، ولسانا على من خاصمني ، وظفرا بمن عاندني ، وهب لي مكرا على من كايدني ، وقدرة على من اضطهدني).
فالمتأمل لدعاء الإمام يجد أن الإمام قد عدد أربع وسائل للتعامل مع واقع الظلم.
اليد: لم ينحصر معناها في القوة البطشية فقط كما يتصور البعض، بل إن لها معاني كثيرة فمن معانيها الهيمنة الفكرية والاقتصادية والسياسية، ومن معانيها أيضا أنها كناية على تغيير الواقع المتخلف.
اللسان: وهو مقارعة الحجة بالحجة.
الظفر: بمعنى عدم تفويت أي فرصة من خلالها يمكن التغلب على الظالم.
المكر: بمعنى الوعي لكل مخططات الظالم ودراستها دراسة مستفيظة ورد كيده في نحره.
القدرة: بناء القوة بكل أشكالها في مقابلة الاضطهاد.
والحمد لله رب العالمين
0 التعليقات:
إرسال تعليق