إلى هنا انتهى كل ما للقوم من نبل تقله كنانة الأحقاد، أو ذخيرة في علبة الضغائن رموا بها أبا طالب، وقد أتينا عليها فجعلناها هباء منثورا، ولم يبق لهم إلا رواية الضحضاح، وما لأعداء أبي طالب حولها من مكاء وتصدية، وهي على ما يلي:
أخرج البخاري ومسلم من طريق سفيان الثوري عن عبد الملك بن عمير عن عبد الله بن الحارث قال: حدثنا العباس بن عبد المطلب أنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: ما أغنيت عن عمك فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل. وفي لفظ آخر: قلت: يا رسول الله! إن أبا طالب كان يحفظك وينصرك فهل نفعه ذلك؟ قال نعم وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح. ومن حديث الليث حدثني ابن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد إنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أبو طالب عنده فقال: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه. وفي صحيح البخاري من طريق عبد العزيز بن محمد الدارا وردي عن يزيد بن الهاد نحوه غيران فيه تغلي منه أم دماغه. راجع صحيح البخاري في أبواب المناقب (باب قصة أبي طالب) ج 6: 33، 34، وفي كتاب الأدب باب كنية المشرك ج 9: 92، صحيح مسلم كتاب الإيمان، طبقات ابن سعد 1: 106 ط مصر، مسند أحمد 1: 206، 207، عيون الأثر 1: 132، تاريخ ابن كثير 3: 125. قال الأميني: نحن لا تروقنا المناقشة في الأسانيد لمكان سفيان الثوري وبما مر فيه ص 4 من إنه كان يدلس عن الضعفاء ويكتب عن الكذابين. ولا لمكان عبد الملك بن عمير اللخمي الكوفي الذي طال عمره وساء حفظه، قال أبو حاتم: ليس بحافظ تغير
أخرج البخاري ومسلم من طريق سفيان الثوري عن عبد الملك بن عمير عن عبد الله بن الحارث قال: حدثنا العباس بن عبد المطلب أنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: ما أغنيت عن عمك فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل. وفي لفظ آخر: قلت: يا رسول الله! إن أبا طالب كان يحفظك وينصرك فهل نفعه ذلك؟ قال نعم وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح. ومن حديث الليث حدثني ابن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد إنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أبو طالب عنده فقال: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه. وفي صحيح البخاري من طريق عبد العزيز بن محمد الدارا وردي عن يزيد بن الهاد نحوه غيران فيه تغلي منه أم دماغه. راجع صحيح البخاري في أبواب المناقب (باب قصة أبي طالب) ج 6: 33، 34، وفي كتاب الأدب باب كنية المشرك ج 9: 92، صحيح مسلم كتاب الإيمان، طبقات ابن سعد 1: 106 ط مصر، مسند أحمد 1: 206، 207، عيون الأثر 1: 132، تاريخ ابن كثير 3: 125. قال الأميني: نحن لا تروقنا المناقشة في الأسانيد لمكان سفيان الثوري وبما مر فيه ص 4 من إنه كان يدلس عن الضعفاء ويكتب عن الكذابين. ولا لمكان عبد الملك بن عمير اللخمي الكوفي الذي طال عمره وساء حفظه، قال أبو حاتم: ليس بحافظ تغير
ص 24
حفظه، وقال أحمد: ضعيف يغلط، وقال ابن معين مخلط، وقال ابن خراش: كان شعبة لا يرضاه، وذكر الكوسج عن أحمد: إنه ضعفه جدا (1). ولا لمكان عبد العزيز الدراوردي، قال أحمد بن حنبل: إذا حدث من حفظه يهم ليس هو بشيء، وإذا حدث من كتابه فنعم، وإذا حدث جاء ببواطيل، وقال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال أبو زرعة: سئ الحفظ (2). كما أنا لا نناقش بتضارب متون الرواية بأن قوله: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة يعطي أن الضحضاح مأجل له إلى يوم القيامة بنحو من الرجاء المدلول عليه لقوله: لعله. وإن قوله: وجدته في غمرات النار فأخرجته إلى ضحضاح. هو واضح في تعجيل الضحضاح له وثبوت الشفاعة قبل صدور الكلام. لكن لنا هنا هنا كلمة واحدة وهي أن رسول الله صلى الله عليه وآله أناط شفاعته لأبي طالب عند وفاته بالشهادة بكلمة الاخلاص بقوله صلى الله عليه وآله: يا عم! قل لا إله إلا الله كلمة استحل لك بها الشفاعة يوم القيامة (3) كما إنه صلى الله عليه وآله أناطها بها في مطلق الشفاعة، وجاء ذلك في أخبار كثيرة جمع جملة منها الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب ج 4 ص 150 - 158 منها في حديث عن عبد الله بن عمر مرفوعا: قيل لي: سل فإن كل نبي قد سأل فأخرت مسألتي إلى يوم القيامة فهي لكم لمن شهد أن لا إله إلا الله. فقال: رواه أحمد بإسناد صحيح. ومنها: عن أبي ذر الغفاري مرفوعا في حديث: أعطيت الشفاعة وهي نائلة من أمتي من لا يشرك بالله شيئا. فقال: رواه البزار وإسناده جيد إلا أن فيه انقطاعا. ومنها: عن عوف بن مالك الأشجعي في حديث: إن شفاعتي لكل مسلم. فقال: رواه الطبري بأسانيد أحدها جيد، وابن حبان في صحيحه وفي لفظه:
(هامش) ص 25 (هامش) ص 26 (هامش)
(1) ميزان الاعتدال 2: 151. (2) ميزان الاعتدال 2: 128. (3) مستدرك الحاكم 2: 336 صححه هو والذهبي في التلخيص، تاريخ أبي الفدا ج 1: 120، المواهب اللدنية 1: 71، كشف الغمة للشعراني 2: 144، كنز العمال 7: 128، شرح المواهب للزرقاني 1: 291. [*]
الشفاعة لمن مات لا يشرك بالله شيئا ومنها: عن أنس في حديث: أوحى الله إلى جبريل عليه السلام أن اذهب إلى محمد فقل له: ارفع رأسك سل تعط واشفع تشفع إلى قوله : أدخل من أمتك من خلق الله من شهد أن لا إله إلا الله يوما واحدا مخلصا ومات على ذلك. فقال المنذري: رواه أحمد ورواته محتج بهم في الصحيح. ومنها: عن أبي هريرة مرفوعا في حديث: شفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصا، وأن محمدا رسول الله، يصدق لسانه قلبه وقلبه لسانه. رواه أحمد وابن حبان في صحيحه. ومنها: ما مر في ص 13 من طريق أبي هريرة وابن عباس من أنه صلى الله عليه وآله دعا ربه واستأذنه أن يستغفر لأمه ويأذن له في شفاعتها يوم القيامة فأبى أن يأذن. وقال السهيلي في الروض الأنف 1: 113: وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وآله قال: استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي، واستأذنته أن أستغفر لها فلم يأذن لي. وفي مسند البزار من حديث بريدة إنه صلى الله عليه وسلم حين أراد أن يستغفر لأمه ضرب جبريل عليه السلام في صدره وقال له: لا تستغفر لمن كان مشركا فرجع وهو حزين (1) فالمنفي في صورة انتفاء الشهادة جنس الشفاعة بمعنى عدمها كلية لعدم أهلية الكافر لها حتى في بعض مراتب العذاب، فالشفاعة للتخفيف في العذاب من مراتبها المنفية كما إنها نفيت كذلك في كتاب الله العزيز بقوله تعالى: والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور. فاطر 36. وبقوله تعالى: وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولاهم ينظرون. النحل 85. وبقوله تعالى: خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولاهم ينظرون. البقرة 162، آل عمران 88.
(1) نحن لا نقيم لمثل هذه الرواية وزنا ولا كرامة، غير أن خضوع القوم لها يلجأنا إلى الحجاج بها. [*]
وبقوله تعالى: وقال الذين في النار لخزنة جهنم: ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب، قالوا: أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات. قالوا: بلى. قالوا: فادعوا، ووما دعاء الكافرين إلا في ضلال. غافر 49، 50. وبقوله تعالى: أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون. البقرة 86. وبقوله تعالى: وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون. الأنعام: 70. وبقوله تعالى: كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين سا سلككم في سقر إلى قوله تعالى فما تنفعهم شفاعة الشافعين. المدثر 38 - 48 وبقوله تعالى: وأنذرهم يوم الأزقة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين، ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع. غافر 18. وبقوله تعالى: ونسوق المجر مين إلى جهنم وردا لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا. مريم 87. الاستثناء في الآية الشريفة منقطع، والعهد: شهادة أن لا إله إلا الله والقيام بحقها. أي لا يشفع إلا للمؤمن. راجع تفسير القرطبي 11: 154، تفسير البيضاوي 2: 48، تفسير ابن كثير 3: 138، تفسير الخازن 3: 243. فرواية الضحضاح على تقدير أن أبا طالب عليه السلام مات مشركا - العياذ بالله - وما فيها من الشفاعة لتخفيف العذاب عنه بجعله في الضحضاح منافية لكل ما ذكرناه من الآيات والأحاديث، فحديث يخالف الكتاب والسنة الثابتة يضرب به عرض الحائط وقد جاء في الصحيح مرفوعا: تكثر لكم الأحاديث من بعدي فإذا روي لكم حديث فأعرضوه على كتاب الله تعالى فما وافق كتاب الله فاقبلوه وما خالفه فردوه (1)
(1) أخرجه البخاري في صحيحه. [*]
ص 27
ولا يغرنك إخراج البخاري لها فإن كتابه المعبر عنه بالصحيح هو علبة السفاسف وعيبة السقطات، وسنوقفك على جلية الحال في البحث عنه إنشاء الله تعالى.
0 التعليقات:
إرسال تعليق