موضوع للشيخ سعيد السلاطنة
بسم الله الرحمن الرحيم
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)1)
من خلال طرحي لهذه الآية أحاول أن أتناول ثلاث نقاط:
النقطة الأولى: معنى الصلاة على النبي (ص).
النقطة الثانية: محلها في الفقه الإسلامي.
النقطة الثالثة: فضل الصلاة على محمد وآل محمد (ص).
النقطة الأولى: الصلاة لغة هي الدعاء وجمعها صلوات. إذا نسبت إلى الله معناها إرسال الرحمة منه إلى المصلى عليه، وإذا نسبت إلى الملائكة تعني التزكية من الملائكة لذلك الإنسان المصلى عليه، وإذا نسبت إلى الإنسان فهي دعاء من الإنسان للمصلى عليه.
ولو قال قائل من أنا حتى ادعو إلى الرسول !!
أنا الإنسان العاصي كيف استحق أن أدعو إلى سيد الكائنات !! وهل الرسول(ص) محتاج إلى دعائي؟؟
الجواب على ذلك :
إن الصلاة على الرسول (ص) أمرنا الله بها بقوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) بل أكد أمره بصيغة لم ترد في القرآن الانادرا، بأن يقدم الله نفسه، بعد ذلك ملائكته ، وبعدها يأمرالمؤمنين.. بل وحتى وروده ليس بصيغة الأمر كما في قوله تعالى: {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}2) وهذا ان دل على شيء فانما يدل على التأكيد على بيان عظمة الصلاة على محمد وآل محمد.
ولم يأمرنا الله إلا بما فيه مصلحة لنا، ولو تأملنا في الصلاة على محمد لوجدنا فيها فوائد مهمة، واحاول أن أشير إلى خمس منها:
1) فائدة العزة.
2) فائدة الشفاعة.
3) فائدة الارتباط الفعلي بالرسول(ص).
4) فائدة التعظيم.
5) فائدةالتطهير والبركة.
العزة: والعزة حالة مانعة للإنسان من أن يغلب من قولهم ارض عزاز أي صلبة قال تعالى«ان العزة لله»العزيزالذى يقهر ولايقهر.و قد يذم بالعزة الكفار لأنها تعزز و الحقيقة ذل قال«الذين كفروا فى عزة و شقاق» .
و قد تستعار العزة للحمية و الأنفة المذمومة قال تعالى «أخذته العزة بالإثم ) 2) و يقال عز عليكذا:صعب قال تعالى«عزيز عليه ما عنتم»
فالإنسان حينما يدعو إلى الرسول (ص) فهذا الدعاء يجعله يعيش العزة فيقول لولم أكن عزيزا لما أمرني الله أن أدعو إلى سيدي رسول الله(ص).
الشفاعة: فالإنسان حينما يدعو إلى الرسول(ص) فان دعاءه يعتبر هدية إلى الرسول(ص)، ومن يقدم هدية ينتظر الشكر، والشكر في القرآن من المصطلحات العملية لا القولية المجردة،قال تعالى: { اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا }3) فلو دعا الإنسان إلى الرسول في الدنيا، ويوم القيامة عرض هذا الدعاء على الرسول (ص).. ترى ماذا يتوقع الإنسان من الرسول(ص) أن يجازيه الرسول على هديته وهي الصلاة عليه(صلى الله عليه وآله )؟؟
ولذا ورد عن الإمام الباقر(ع) ( أفضل ما يوضع في الميزان يوم القيامة الصلاة على محمد وآل محمد ).
الارتباط الفعلي بالرسول(ص): وهذا يفهم من الفعل المضارع في الآية ( يصلون) وهو يفيد الاستمرارية والدوام بمعنى أن الله والملائكة دائما يصلون على النبي(ص)، وهذا الدوام لخلود الصلاة على النبي (ص) ومن ثم يكون خلودها في حياة الإنسان بمعنى أن يكون النبي له الحضور الفعلي الدائم في حياتنا وهذا يفهم من النصوص الكثيرة التي تؤكد على الإكثار من الصلاة على النبي(ص)، لا أن تكون الصلاة عليه(ص) ذكر لساني مجرد عن واقعنا، ونحن ابعد ما نكون عن أخلاق الرسول (ص)، وعن فكر الرسول، وعن روحانية الرسول(ص).
التعظيم: أجمع العقلاء بأن من لم يعظم سيده وقائده فلا خير فيه ، والصلاة على محمد وآله خير وسيلة لتعظيم الرسول الكريم(ص).
التطهير: قال الرسول(ص) من صلى علي واحدة صلت عليه الملائكةعشرا أي دعت له وباركت. وخير وسيلة لتطهير الإنسان دعاء الملائكة.
أيها الأحبة.. ان الآية اشتملت على أمرين (صلوا×وسلموا ) وهناك فرق بين التسليم والاستسلام. التسليم أي الانقياد الطوعي لأوامر النبي (ص) ونواهيه كما قد ورد عن أبى بصير عن الإمام الصادق (ع) قال قلت يا أباعبد الله (ع) قد عرفت صلاتنا على النبي (ص) فكيف التسليم؟
قال(ع) هو التسليم له في الأمور.
وأما الاستسلام وهو الانقياد القهري فلم يرده الإسلام {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (256) سورة البقرة وذهب البعض أن التسليم هو قول: السلام عليك يا رسول الله.
النقطة الثانية: (محلها في الفقه الإسلامي)
ذهب الامامية إلى أنها واجبة في التشهد الأول والثاني في الصلاة، وذهب الشافعية إلى أنها واجبة في التشهد الثاني دون الأول، وذهب مالك وأبو حنيفة إلى عدم وجوبها في الصلاة،
ومن اللطائف أن الشافعي نظمها بقوله:
يا آل بيت رسول الله حبكم === فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم الشأن أنكم === من لم يصل عليكم لا صلاة له
اشارة الى قوله تعالى: (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (23) سورة الشورى
أما في غير الصلاة فذهب الكرخي إلى وجوبها في العمر مرة، والصحاوي: كلما ذكر واختاره الزمخشري وكذلك ابن بابوية القمي من فقهائنا.وذهب المشهور إلى استحبابها مطلقا. وأما أنها تكون جماعة بصوت واحد فأكثر المسلمين لا يرون في ذلك ضير ولعله من باب التعاون على البر { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} 3) وجاء في الحديث الشريف ( أفضل أعمال البر الصلاة على محمد وآل محمد) إلا أن الوهابية يؤكدون على أن هذه من صور البدع المحرمة، ولا أعلم ما هو دليلهم في ذلك.
النقطة الثالثة: (فضل الصلاة على محمد وآل محمد )
عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (البخيل حقاً من ذكرت عنده فلم يصل علي)(6).
وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): (من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له مادام اسمي في ذلك الكتاب)7).
وقال الإمام الرضا (عليه السلام): (من لم يقدر على ما يكفـــر به ذنوبـــه فليكــــثر من الـــصلاة على محمد وآله فإنها تهدم الذنوب هدماً)(8).
وعن أحدهما (عليهما السلام) قال: (أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة الصلاة على محمد وعلى أهل بيته)(9).
وعن الصادق (عليه السلام): (ما من عمل أفضل يوم الجمعة من الصلاة على محمد وآله)(10).
وعن أبي الحسن العسكري (عليه السلام) قال: (إنما اتخذ الله إبراهيم (عليه السلام) خلـــيلاً لكــــثرة صلاته عـــلى محـــمد وأهل بـــيته)(11).
وأما آثارها فكثيرة، ومن آثارها زيادة الرزق كما في هذه القصة الجميلة.
يروى أن فقيراً خرج من بيته يوماً لطلب الرزق لعياله لكنه لم يدر أين يذهب ، فأخذ يسير في الطريق ، و مر بمسجد فسمع الخطيب يتحدث للناس عن فضل الصلاة على محمد و آله و يرغبهم بذلك . جلس عند باب المسجد ليسمع ما يقوله الخطيب من فوق المنبر ، فسمع ضمن الكلام أنَ الصلاة على النبي و أهل بيته الطاهرين بشكل دائم سوف يجعل الله البركة في أمواله ، و إذا ذكر الفقير الصلاة و استمر على ذلك فسوف ينزل الله له الرزق من السماء .
انصرف الفقير بعد سماعه لكلام الخطيب ، و اخذ يسير في الطريق و لسانه يلهج بذكر الصلاة على محمد و آله الطيبين الأطهار . استمر على هذا الأمر بشكل متواصل ، و في أحد الأيام و هو يسير في خربة عثرت رجله بصخرة، وعندما رفعها وجد تحتها كيساً مملوءاً بالليرات الذهبية و الجواهر ، فقال في نفسه : أنا موعود بالرزق من السماء، وأنا لا أريد رزقً من الأرض ، و ما يدريني لهل هذا الكيس يخص شخصا معينا قام بتخبئته تحت هذه الصخرة و لا يجوز لي أن آخذه .. فوضع الصخرة على الكيس كما كانت ، و رجع إلى بيته خالي اليدين . و لما استقر في بيته ؛ قص ما رىه على زوجته بالتفصيل .
كان لهذا الرجل جار يهودي ، كان في تلك الأثناء على السطح و سمع من الرجل الفقير كل ما قاله لزوجته . فنزل اليهودي من السطح و توجه مسرعاً نحو الخربة حيث الجواهر و الذهب فرفع الصخرة و أخذ الصرةَ و رجع إلى بيته ، فتح الصرة امام زوجته ، فوجدها مملوءة بالعقارب و الأفاعي ! فقال لزوجته : إن جارنا المسلم عدو لدود لنا ، لمَا عرف بوجودي على سطح داره ، تكلم بهذا الكلام لكي أسمع منه ذلك ثم أذهب إلى الصرةَو آتي بها إلى البيت لكي تهجم علينا العقارب و الأفاعي و تقتلنا ! و لهذا سوف ألقي الذي في الصرة على رأسه من فوق السطح ليموت كما أراد لنا ذلك !
و بالفعل جاء اليهودي إلى سطح دار جاره ، فوجده جالساً مع زوجته يتجادلان بصوت مرتقع ، و سمع المرأة تقول لزوجها : يا هذا هل من الصحيح أن تعثر على صرةً مملوءة بالذهب و الجواهر فتتركها في مكانها ، و نحن لا نملك ما نأكله ؟
قال الزوج : إني أرجوا من الله عزَ و جل ان ينزل علي الرزق من السماء . فتح اليهودي الصرةَ و ألقى ما فيها على رأس الرجل الفقير و زوجته ، فسمع الرجل صوتاً فوقَ رأسه ، و إذا به عندما رفع رأسه يرى قطعاً ذهبية و مجوهرات تتساقط عليه ! فقال لزوجته : انظري إلى رزق الله تعالى .. ألم أقل لكِ إني موعود بالرزق من السماء ؟ و اخذ يكرر الصلاة على محمد و آل محمد .
رأى اليهودي بأن الذي يتساقط هو ذهب و مجوهرات و ليس عقارب ! فأمسك عن الإلقاء ، و نظر في الكيس مرة أخرى فرآه مكتظا بالعقارب أيضاً ! فألقى بقية الكيس في بيت الرجل المؤمن و إذا به ينقلب إلى ذهب و جواهر ! و هنا عرف اليهودي أنَ ما يرجي سر من الأسرار الإلهية ، ثم تذكر القصة التي جرت في زمن موسى ( عليه السلام ) حيث أصبح ماء النيل دماً عبيطاً للأقباط ، بينما كان ماءً عذباً لبني إسرائيل ، بعدها نادى جاره المسلم ليصعد إليه إلى سطح الدار ، فصعد الرجل على سطح داره ، عندها أسلم اليهودي على يده بعد أن رأى صدقه و خلوصه .
الرجل المؤمن بدورهِ لم يقصر معه ، حيث أعطاه مقداراً كافياً من الليرات الذهبية و الجواهر ليستعين بها على أموره الدنيوية و لكي يرى المسلمين ليسوا مجرد كلام و شعارات ، بل هناك من يقرن القول بالعمل .
و مما يؤيد هذه القصة رواية سهل بن سعد أنه : جاء رجل إلى النبي الأكرم محمد ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و شكا إليه الفقر ، فقال له النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ما مضمونه : (( إذا دخلت بيتك سلم إن كان في البيت أحد أو لم يكن ، ثم صلي علي و على أهل بيتي ، بعدها اقرأ سورة التوحيد )) . ففعل الرجل ذلك فأتاه الرزق من كل مكان حتى أخذ يوزع المال على جيرانه .
و هكذا تكون الصلاة على محمد و أهل بيته ( عليهم السلام ) أحد أسباب الغنى و الرزق و ازدياد المال و ظهور البركة .. صلوا جميعاً على محمد و آل محمد !
----------------------
1) (56) سورة الأحزاب
2) 206 البقرة.
1) (13) سورة سبأ
4) (18) سورة آل عمران44
5) (2) سورة المائدة
6) - سفينة البحار [الطبعة الجديدة] ج5 ص171 مادة (صلى) عن معاني الأخبار. وفي كشف الغمة ج2 ص128 عنه صلى الله عليه وآله: (البخيل كل البخيل الذي اذا ذكرت عنده لم يصل علي).
7)- سفينة البحار [الطبعة الجديدة] ج5 ص172 مادة (صلى).
8)- روضة الواعظين ص322 مجلس في ذكر الصلاة على النبي (ص). وسفينة البحار[الطبعة الجديدة] ج5 ص170 مادة (صلى) عن عيون أخبار الرضا (عليه السلام)
9)- قرب الاسناد ص9. وسفينة البحار [الطبعة الجديدة] ج5 ص170 مادة (صلى).
10)- الخصال ص394 ح101. وثواب الاعمال ص158 باب ثواب من صلى على النبي وآله.. وسفينة البحار [الطبعة الجديدة] ج5 ص171 مادة (صلى) عن علل الشرائع.
11) - علل الشرائع ص34. و قصص الانبياء للجزائري ص96. وسفينة البحار [الطبعة الجديدة] ج5 ص171 مادة (صلى).
0 التعليقات:
إرسال تعليق